جالتِ السّماء فى ذلك المِضمار وصالت ونوّهتْ برفيع قدرها وقالت:
تبارَك الذى جعل فى السماء بروجاً ومنح أشرف الخلق إلىَّ مروجا وقدمنى فى الذكر فى محكم الذكر وشرفنى بحسن القسم وأتحفنى بأوفر القسم وقدسنى من النقائص والعيوب واطلعنى على الغوامض والغيوب وقد ورد ان الرب ينزل الىَّ كل ليلة فيولى من تعرض لنفحاته بره ونيله فيا لها من تحفة جليلة ومنحة جزيلة يحق لى ان أَجر بها ذيول العزة والأفتخار وكيف لا والوجود باثره باسط الى ايدى الذلة والافتقار فلى العز الباذخ والمجد الاثيل الشامخ لتفردى بالرفعة والسمو وعلو المنزلة دون غلوّ.
فقالت لها الأرض:
ويك لقد اكثرت نزراً وارتكبت بما فهت به وزرا أما انه لا يعجب بنفسه عاقل ولا يأمن مكر ربه إلا غافل ومن ادعى ما ليس له بقوله او فعله فهلاكه اقرب اليه من شرَاك نَعله وقد قيل من سعادة جدك وقوفك حدك ومن فعل ما شاء لقى ما ساء وما كفاك ان خطرت فى ميادين التّيه والاعجاب حتى عرضت لشتمى ان هذا لشئ عجاب وهل اختصك الله بالذكر او اقسم بك دونى فى الذكر او آثرك بالتقديم فى جميع كلامه القديم حتى ترديت بالكبرياء وتعديت طور الحياء.
اذا لم تخش عاقبة الليالى...ولم تستح فأصنع ما تشاء
فلا وأبيك ما فى العيش خيرا...ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
وكيف تزدرين أهلى بالذنوب والمعاصى وأنت تعلمين ان الله هو الآخذ بالنواصى.
فقابلتها السماء بوجه قد قطبته ومجَن قد قلبته وقالت لها فى الحال:
أيتها القانعة بالمحال ما كنت أحسب انك تتجراين على مبارزة مثلى وتنكرين على ما ترنمت به من شواهد مجدى وفضلى وهل خِلت ان التحدث بالنعم مما يلام على مع أنه أَمر مندوب اليه ومن أمثال ذوى الفطنة والعقل ليس من العدل سرعة العذل ولم جحدت ظهور شمس كمالى وهل لك من االفضائل والفواضل كما لى ولكن لك عندى عذرا جليا وان كنت (لقد جئت شيئا فريا)
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد ...وينكر الفم طعم الماء من سقم
ولو رأيت ما فيك من المساوى عياناً لما ثنيت الى حلبة المفاخرة عناناً فأنّى تفوزين بأشراف الاقدار وانت موضع الفَضلات والأقذار وما هذا التطاول والاقدام ووجهك موطى النعال والاقدام ان هذا الا فعل مكابر دعوَى عريضة وعجز ظاهر وهل يحق للكثيف ان يتغالى على اللطيف ام ينبغى للوضيع ان يتعالى على الرفيع.
فقالت لها الارض:
ايتها المعتزة بطوالع اقمارها والمغترة بلوامع انوارها(ما كل بيضاء شحمة ولا كل حمراء لحمة ) فبما تزعمين انك اتقى منى وانقى وما عند الله خير وابقى وانت واقفة لى على اقدام الخدمة جارية فى قضاء مآربى بحسب الحكمة كفلك الحق بحمل مؤونتى وكفلك بمساعدتى ومعونتى ووكلك بايقاد سراجى ومصباحى ووكلك الى القيام بشؤونى فى ليلى وصباحى وليس علوك شاهد لك بالرتبة العليه فضلا عن ان يوجب لك مقام الافضلية (فما كل مرتفع نجد ولا كل متعاظم ذو شرف ومجد)
وان علانى من دونى فلا عجب...لى أسوة بانحطاط الشمس عن زحل
فمن أعظم ما فُقتُ به حسنا وجمالا وكدت باخمسى أطأ الثرَياّ فضلا وكمالا تكوين الله منى وجود سيد الوجود فافرغ على به خلع المكارم والجود فهو بدر الكمال وشمس الجمال
واجمل منك لم تر قط عين...وأكمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرءاً من كل عيٍْب...كأنك قد خلقت كما تشاءُ
فأكرم به من نبى آسرّنى به وأرْضى كيف لا ولولاه ما خلق سماء ولا أرضا وجعلنى له مسجدا وطهورا وأقر به عينى بطوناً وظهورا.
فأبرقت السماء وأرعدت وأرغَتْ وأزبدَت وقالت:
إن لم تَََتََخََطّ خُطّةََ المكابَرة وتتخلّى عن هذه المثابرة لاغرقنّك فى بحار طّوفانى أو احرقنّك بصواعق نيرانى وهل أمتطيت السّما كين أو انتعلت الفَرْقَديْن حتى تفتخرى علىّ وتشيرى بالذّمّ الىّ وتلك شهادة لى بالكمال ولقد صدق من قال
واذ اتتك مذمتى من ناقص... فهى شهادة لى بانى كاملُ
أم حسبْتِ انّ لك فى ذلك حجّة فخاطرْت بنفسك فى ركوب هذه اللُّجّة وكنت كالباحث عن حَتْفُه بظِلْفه والجادِع مارن أنْفَهِ بكفّه.
لكل داءِ دواءُ يُتَطبُّ به... إلاّ الحماقةَ اعيتْ منْ يُدَاوِيها
أما دعواك أنى واقفةٌ لك علىأاقدام الخدمة فهى مما يوجبُ لى عليكِ شكر الفضل والنعمة فلو تفكرت ان خادم القوم هو السيد والمولى وعرفت الفاضل من المفضول أو تدبرت أن اليد العليا خير من اليد السفلى لاستقلت من هذا الفضول فإن فى قيامى بشئونك أوضح أمارَة – وأمّا قولك منى سيّد الوجود ومن اصطفاهم لحضرته الملك الودود فان كنت تفتخرين بأشباحهم الظّاهرة فأنا أفتخرُ بأرواحهم الطّاهرة أم علمت أنها فى ملكوتى تغدُ وتروح وبوارِدَىْ بسِطى وقَبضى تشدو وتنوح فانا أوْلى بهم وأحرى بالافتخار بحزْبهم.
فلمّا سمعت (الارض من السماء) مقالة تقُطٌرُ من خلالها الدماء أطرقت لمحة بارقٍ خاطف أو نغبةَ طائرٍ خائف ثم قنّعتْ رأسها وصعدَت أنفاسها وقالت:
لقد اكثرت يا هذه من اللَّغظ وما آثرتِ الصّواب على الغَلَط فعلامَ تهزئين بى وتستخفين بحسبى ونسبى وإلام تنقضين عُرَى أدلتى ولا تعامليننى بالتى وحتّام تقابليننى بأنواع التأنيب ولم لا تقفى على حقيقتى بالتَّنقير والتنقيب أحسبتِ أن الجسم ما خُلق إلا عبثا ولا كان للنَّفس النفيسة إلا جدثا وفى ميدانه تتسابقُ الفهوم وتتدرك عوارف المعارف و العلوم وبه ترتقى الأرواح فى مراقى الفلاح وكيف لا يكون مقدساً من كل غيْ و مَيْنٍ وهو لا يفتْرُ عن تسبيح بارئهِ طرْفة عيْنٍ وإلى متى أنتِ عليَّ متحامله وعلى آية العدْل و الإحسانُ متماحِلة وأنا لكِ أسمعُ من خادم وأطوعُ من خاتم على أن لى من الفضائل ما ثبت بأصحّ البراهين و الدلائل أمّا فِىَّ بقعةًٌ من اشرف البقاع على الإطلاق لضمّها أعضاء من تمَّم اللهُ به مكارم الاخلاق وفى روضة من رياض الجنة كما افصحتْ عن ذلك ألسنةُ السنه ومنّى الكعبة و المشعرُ الحرام و الحجرُ و زمزمُ و الركنُ والمقام وعلىّ بُيوتُ الله تشدُّ إليها الرّحال و يُسبح له فيها بالغدوّ والآصال رجال و أخرجَ منّى طيّبات الرّزق فأكرم به عباده وأتمّ نعمتهُ عليهم فجعل الشكر عليها عبادة و ناهيك بم اشتملت عليه من الرياض و الغياض ذات الأنهار و الحياض التى تشفى بنسيمها العليل وتنفى ببرد زلالها حر الغليل.
لم لا اهيم على الرياض وطيبها ...وأظل منها تحت ظل صافى
والزهر يضحك لى بثغر باسم...والنهر يلقانى بقلب صافى
فأسفرت عن بدر طلعتها( السماء ) وهى تزهو فى برد السنا و السناء و قالت تناجى نفسها عند مآرق السمر حتام أُريها السُّهى و ترينى القمر ثم عطفت عليها تقول وهى تسطو وتصول:
أيتها المتعدية لمفاضلتى و المتصدية لمناضلتى متى قيس الترب بالعسجد او شبه الحصى بالزبرجد ان افتخرتى بشرف هاتيك البقاع التى زها بها منك اليَفاع والقاع فأين أنت من عرش الرحمن الذى تعكف عليه أرواح أهل الإيمان وأين أنت من البيت المعمور والكرسى المكلل بالنور وكيف تفتخرين على بروضة من رياض الجنة وهى علىّ بأسرها فضلا من الله ومنة أم كيف تزعمين أنه كتب لك بأوفر الحظوظ وعندى القلم الاعلى واللوح المحفوظ وأما ازدهاؤك بالحياض والأنهار والرياض المبتهجة بورود الوردِ والأزهار فليت شعرى هل حويت تلك المعانى الا بنفحات غيوثى وأمطارى أم أشرقت منك هاتيك المغانى إلا بلمحات شموسى وأقمارى فكيف تباهيننى بما منحتك إياه وعطرت أرجاءك بأريج نشره وريَّاه ويا عجباً منك كلما لاح علىَّ شعار الحزن خطرتِ فى أبهى حلة من حلل الملاحة والحسن وان افترت ثغور بدور أُنسى وقرت ببديع جمالى عين شمسى زفرت زفرة القيظ وكدت أن تتميزى من الغيظ ما هذا الجفاء يا قليلة الوفاء وهل صفت أوقاتك الا بوجودى أو طابت أوقاتك الا بوابل كرمى وجودى ولو قطعت عنك لطائف الأمداد لخلعت ملابس الأنس ولبست ثياب الحداد أو حجبت عنك الشموس والاقمار لما ميزت بين الليل والنهار فهلا كنت بفضلى معترفة حيث إنك من بحر فيضى مغترفة.
فنزعت (الأرض) عن مقاتلتها وعلمت أنها لا قبل لها بمقابلتها وحين عجزت عن العوم فى بحرها واستسلمت تمائمها لسحرها بسطت لها بساط العتاب متمثلة بقول ذى اللطف والاداب:
إذا ذهب العتاب فليس ود... ويبقى الود ما بقى العتاب
ثم قالت اعلمى أيتها الموسومة بسلامة الصدر الموصوفة بسمو المنزلة وعلو القدر أن الله ما قارن اسمى بأسمك ولا قابل صورة جسمى بجسمك إلا لمناسبة عظيمة وأُلفة بيننا قديمة فلا تشمتى بنا الأعداء وتسيئى الأحباء والأوداء فإن ذلك من أعظم الرزايا وأشد المحن والبلايا
كل المصائب قد تمر على الفتى... فتهون غير شماتة الأعداء
ألا وان العبد محل النقص والخلل وهل يسوغ لأحد أن يبرئ نفسه من الزلل ومن يسلم من القًدْح ولو كان أقومَ من القِدْح
ومن ذا الذى تُرضى سجاياه كلها... كفى المرء فضلاً أن تُعد معايبه
هذا – وإنّ لى مفاخرَ لا تنكر ومآثر تجل عن أن تحصر كما أنك فى الفضل أشهرُ من نارٍ على علم وأجل من ان يحصى ثناءً عليك لسان القلم فإلى متى ونحن فى جدالٍ وجلاد نتطاعن بأسنة ألسنة حداد وهل ينبغى ان يجر بعضنا على بعض ذيل الكبر والصلف ولكن عفا الله عما سلف وهذه لعمرى حقيقة أمرى فانظرى الىّ بعين الرضا وأصفحى بحقك عما مضى.
ولما سمعت (السماء) هذه المقالة التى تجنحُ الى طلب السلم والإقالة قالت لها:
مآربُ لا حفاوة ومشربُ قد وجدت له حلاوة وما ندبت اليه من المودة والألفة فلأمر ما جدع قصير أنفه ولو لم تلقى الىّ القِياد لعانيتِ منّى ما دونه خرْط القِتاد ولكن لا حرَج عليك ولا ضيْر فانك اخترت الصُلح والصلحُ خير وكيف جعلت العتابَ شرطاً بين الأحباب أو ما سمعت قول بعض أولى الألباب.
اذا كنت فى كل الأمور معاتباً...صديقك لم تلْق الذى لا تُعاتبه
وإن أنْت لم تشرب مراراً على القذَى...ظمئْت وأى الناس تصفو مشاربه
وهاأنا رادةٌ اليك عوائد إحسانى وموائدَ جودى وامتنانى فقرّى عيناً وطيبى نفساَ وتيهى إبتهاجا وأنساً وأبشرى ببُلوغ الوطَر وزوال البُؤس والخطر فسجدتِ الأرض شكراً وهامت نشوةً وسُكراً وتهلل وجهها سروراً وأمتلأت طرباً وحبوراً
تبارَك الذى جعل فى السماء بروجاً ومنح أشرف الخلق إلىَّ مروجا وقدمنى فى الذكر فى محكم الذكر وشرفنى بحسن القسم وأتحفنى بأوفر القسم وقدسنى من النقائص والعيوب واطلعنى على الغوامض والغيوب وقد ورد ان الرب ينزل الىَّ كل ليلة فيولى من تعرض لنفحاته بره ونيله فيا لها من تحفة جليلة ومنحة جزيلة يحق لى ان أَجر بها ذيول العزة والأفتخار وكيف لا والوجود باثره باسط الى ايدى الذلة والافتقار فلى العز الباذخ والمجد الاثيل الشامخ لتفردى بالرفعة والسمو وعلو المنزلة دون غلوّ.
فقالت لها الأرض:
ويك لقد اكثرت نزراً وارتكبت بما فهت به وزرا أما انه لا يعجب بنفسه عاقل ولا يأمن مكر ربه إلا غافل ومن ادعى ما ليس له بقوله او فعله فهلاكه اقرب اليه من شرَاك نَعله وقد قيل من سعادة جدك وقوفك حدك ومن فعل ما شاء لقى ما ساء وما كفاك ان خطرت فى ميادين التّيه والاعجاب حتى عرضت لشتمى ان هذا لشئ عجاب وهل اختصك الله بالذكر او اقسم بك دونى فى الذكر او آثرك بالتقديم فى جميع كلامه القديم حتى ترديت بالكبرياء وتعديت طور الحياء.
اذا لم تخش عاقبة الليالى...ولم تستح فأصنع ما تشاء
فلا وأبيك ما فى العيش خيرا...ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
وكيف تزدرين أهلى بالذنوب والمعاصى وأنت تعلمين ان الله هو الآخذ بالنواصى.
فقابلتها السماء بوجه قد قطبته ومجَن قد قلبته وقالت لها فى الحال:
أيتها القانعة بالمحال ما كنت أحسب انك تتجراين على مبارزة مثلى وتنكرين على ما ترنمت به من شواهد مجدى وفضلى وهل خِلت ان التحدث بالنعم مما يلام على مع أنه أَمر مندوب اليه ومن أمثال ذوى الفطنة والعقل ليس من العدل سرعة العذل ولم جحدت ظهور شمس كمالى وهل لك من االفضائل والفواضل كما لى ولكن لك عندى عذرا جليا وان كنت (لقد جئت شيئا فريا)
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد ...وينكر الفم طعم الماء من سقم
ولو رأيت ما فيك من المساوى عياناً لما ثنيت الى حلبة المفاخرة عناناً فأنّى تفوزين بأشراف الاقدار وانت موضع الفَضلات والأقذار وما هذا التطاول والاقدام ووجهك موطى النعال والاقدام ان هذا الا فعل مكابر دعوَى عريضة وعجز ظاهر وهل يحق للكثيف ان يتغالى على اللطيف ام ينبغى للوضيع ان يتعالى على الرفيع.
فقالت لها الارض:
ايتها المعتزة بطوالع اقمارها والمغترة بلوامع انوارها(ما كل بيضاء شحمة ولا كل حمراء لحمة ) فبما تزعمين انك اتقى منى وانقى وما عند الله خير وابقى وانت واقفة لى على اقدام الخدمة جارية فى قضاء مآربى بحسب الحكمة كفلك الحق بحمل مؤونتى وكفلك بمساعدتى ومعونتى ووكلك بايقاد سراجى ومصباحى ووكلك الى القيام بشؤونى فى ليلى وصباحى وليس علوك شاهد لك بالرتبة العليه فضلا عن ان يوجب لك مقام الافضلية (فما كل مرتفع نجد ولا كل متعاظم ذو شرف ومجد)
وان علانى من دونى فلا عجب...لى أسوة بانحطاط الشمس عن زحل
فمن أعظم ما فُقتُ به حسنا وجمالا وكدت باخمسى أطأ الثرَياّ فضلا وكمالا تكوين الله منى وجود سيد الوجود فافرغ على به خلع المكارم والجود فهو بدر الكمال وشمس الجمال
واجمل منك لم تر قط عين...وأكمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرءاً من كل عيٍْب...كأنك قد خلقت كما تشاءُ
فأكرم به من نبى آسرّنى به وأرْضى كيف لا ولولاه ما خلق سماء ولا أرضا وجعلنى له مسجدا وطهورا وأقر به عينى بطوناً وظهورا.
فأبرقت السماء وأرعدت وأرغَتْ وأزبدَت وقالت:
إن لم تَََتََخََطّ خُطّةََ المكابَرة وتتخلّى عن هذه المثابرة لاغرقنّك فى بحار طّوفانى أو احرقنّك بصواعق نيرانى وهل أمتطيت السّما كين أو انتعلت الفَرْقَديْن حتى تفتخرى علىّ وتشيرى بالذّمّ الىّ وتلك شهادة لى بالكمال ولقد صدق من قال
واذ اتتك مذمتى من ناقص... فهى شهادة لى بانى كاملُ
أم حسبْتِ انّ لك فى ذلك حجّة فخاطرْت بنفسك فى ركوب هذه اللُّجّة وكنت كالباحث عن حَتْفُه بظِلْفه والجادِع مارن أنْفَهِ بكفّه.
لكل داءِ دواءُ يُتَطبُّ به... إلاّ الحماقةَ اعيتْ منْ يُدَاوِيها
أما دعواك أنى واقفةٌ لك علىأاقدام الخدمة فهى مما يوجبُ لى عليكِ شكر الفضل والنعمة فلو تفكرت ان خادم القوم هو السيد والمولى وعرفت الفاضل من المفضول أو تدبرت أن اليد العليا خير من اليد السفلى لاستقلت من هذا الفضول فإن فى قيامى بشئونك أوضح أمارَة – وأمّا قولك منى سيّد الوجود ومن اصطفاهم لحضرته الملك الودود فان كنت تفتخرين بأشباحهم الظّاهرة فأنا أفتخرُ بأرواحهم الطّاهرة أم علمت أنها فى ملكوتى تغدُ وتروح وبوارِدَىْ بسِطى وقَبضى تشدو وتنوح فانا أوْلى بهم وأحرى بالافتخار بحزْبهم.
فلمّا سمعت (الارض من السماء) مقالة تقُطٌرُ من خلالها الدماء أطرقت لمحة بارقٍ خاطف أو نغبةَ طائرٍ خائف ثم قنّعتْ رأسها وصعدَت أنفاسها وقالت:
لقد اكثرت يا هذه من اللَّغظ وما آثرتِ الصّواب على الغَلَط فعلامَ تهزئين بى وتستخفين بحسبى ونسبى وإلام تنقضين عُرَى أدلتى ولا تعامليننى بالتى وحتّام تقابليننى بأنواع التأنيب ولم لا تقفى على حقيقتى بالتَّنقير والتنقيب أحسبتِ أن الجسم ما خُلق إلا عبثا ولا كان للنَّفس النفيسة إلا جدثا وفى ميدانه تتسابقُ الفهوم وتتدرك عوارف المعارف و العلوم وبه ترتقى الأرواح فى مراقى الفلاح وكيف لا يكون مقدساً من كل غيْ و مَيْنٍ وهو لا يفتْرُ عن تسبيح بارئهِ طرْفة عيْنٍ وإلى متى أنتِ عليَّ متحامله وعلى آية العدْل و الإحسانُ متماحِلة وأنا لكِ أسمعُ من خادم وأطوعُ من خاتم على أن لى من الفضائل ما ثبت بأصحّ البراهين و الدلائل أمّا فِىَّ بقعةًٌ من اشرف البقاع على الإطلاق لضمّها أعضاء من تمَّم اللهُ به مكارم الاخلاق وفى روضة من رياض الجنة كما افصحتْ عن ذلك ألسنةُ السنه ومنّى الكعبة و المشعرُ الحرام و الحجرُ و زمزمُ و الركنُ والمقام وعلىّ بُيوتُ الله تشدُّ إليها الرّحال و يُسبح له فيها بالغدوّ والآصال رجال و أخرجَ منّى طيّبات الرّزق فأكرم به عباده وأتمّ نعمتهُ عليهم فجعل الشكر عليها عبادة و ناهيك بم اشتملت عليه من الرياض و الغياض ذات الأنهار و الحياض التى تشفى بنسيمها العليل وتنفى ببرد زلالها حر الغليل.
لم لا اهيم على الرياض وطيبها ...وأظل منها تحت ظل صافى
والزهر يضحك لى بثغر باسم...والنهر يلقانى بقلب صافى
فأسفرت عن بدر طلعتها( السماء ) وهى تزهو فى برد السنا و السناء و قالت تناجى نفسها عند مآرق السمر حتام أُريها السُّهى و ترينى القمر ثم عطفت عليها تقول وهى تسطو وتصول:
أيتها المتعدية لمفاضلتى و المتصدية لمناضلتى متى قيس الترب بالعسجد او شبه الحصى بالزبرجد ان افتخرتى بشرف هاتيك البقاع التى زها بها منك اليَفاع والقاع فأين أنت من عرش الرحمن الذى تعكف عليه أرواح أهل الإيمان وأين أنت من البيت المعمور والكرسى المكلل بالنور وكيف تفتخرين على بروضة من رياض الجنة وهى علىّ بأسرها فضلا من الله ومنة أم كيف تزعمين أنه كتب لك بأوفر الحظوظ وعندى القلم الاعلى واللوح المحفوظ وأما ازدهاؤك بالحياض والأنهار والرياض المبتهجة بورود الوردِ والأزهار فليت شعرى هل حويت تلك المعانى الا بنفحات غيوثى وأمطارى أم أشرقت منك هاتيك المغانى إلا بلمحات شموسى وأقمارى فكيف تباهيننى بما منحتك إياه وعطرت أرجاءك بأريج نشره وريَّاه ويا عجباً منك كلما لاح علىَّ شعار الحزن خطرتِ فى أبهى حلة من حلل الملاحة والحسن وان افترت ثغور بدور أُنسى وقرت ببديع جمالى عين شمسى زفرت زفرة القيظ وكدت أن تتميزى من الغيظ ما هذا الجفاء يا قليلة الوفاء وهل صفت أوقاتك الا بوجودى أو طابت أوقاتك الا بوابل كرمى وجودى ولو قطعت عنك لطائف الأمداد لخلعت ملابس الأنس ولبست ثياب الحداد أو حجبت عنك الشموس والاقمار لما ميزت بين الليل والنهار فهلا كنت بفضلى معترفة حيث إنك من بحر فيضى مغترفة.
فنزعت (الأرض) عن مقاتلتها وعلمت أنها لا قبل لها بمقابلتها وحين عجزت عن العوم فى بحرها واستسلمت تمائمها لسحرها بسطت لها بساط العتاب متمثلة بقول ذى اللطف والاداب:
إذا ذهب العتاب فليس ود... ويبقى الود ما بقى العتاب
ثم قالت اعلمى أيتها الموسومة بسلامة الصدر الموصوفة بسمو المنزلة وعلو القدر أن الله ما قارن اسمى بأسمك ولا قابل صورة جسمى بجسمك إلا لمناسبة عظيمة وأُلفة بيننا قديمة فلا تشمتى بنا الأعداء وتسيئى الأحباء والأوداء فإن ذلك من أعظم الرزايا وأشد المحن والبلايا
كل المصائب قد تمر على الفتى... فتهون غير شماتة الأعداء
ألا وان العبد محل النقص والخلل وهل يسوغ لأحد أن يبرئ نفسه من الزلل ومن يسلم من القًدْح ولو كان أقومَ من القِدْح
ومن ذا الذى تُرضى سجاياه كلها... كفى المرء فضلاً أن تُعد معايبه
هذا – وإنّ لى مفاخرَ لا تنكر ومآثر تجل عن أن تحصر كما أنك فى الفضل أشهرُ من نارٍ على علم وأجل من ان يحصى ثناءً عليك لسان القلم فإلى متى ونحن فى جدالٍ وجلاد نتطاعن بأسنة ألسنة حداد وهل ينبغى ان يجر بعضنا على بعض ذيل الكبر والصلف ولكن عفا الله عما سلف وهذه لعمرى حقيقة أمرى فانظرى الىّ بعين الرضا وأصفحى بحقك عما مضى.
ولما سمعت (السماء) هذه المقالة التى تجنحُ الى طلب السلم والإقالة قالت لها:
مآربُ لا حفاوة ومشربُ قد وجدت له حلاوة وما ندبت اليه من المودة والألفة فلأمر ما جدع قصير أنفه ولو لم تلقى الىّ القِياد لعانيتِ منّى ما دونه خرْط القِتاد ولكن لا حرَج عليك ولا ضيْر فانك اخترت الصُلح والصلحُ خير وكيف جعلت العتابَ شرطاً بين الأحباب أو ما سمعت قول بعض أولى الألباب.
اذا كنت فى كل الأمور معاتباً...صديقك لم تلْق الذى لا تُعاتبه
وإن أنْت لم تشرب مراراً على القذَى...ظمئْت وأى الناس تصفو مشاربه
وهاأنا رادةٌ اليك عوائد إحسانى وموائدَ جودى وامتنانى فقرّى عيناً وطيبى نفساَ وتيهى إبتهاجا وأنساً وأبشرى ببُلوغ الوطَر وزوال البُؤس والخطر فسجدتِ الأرض شكراً وهامت نشوةً وسُكراً وتهلل وجهها سروراً وأمتلأت طرباً وحبوراً